- قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين * فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين * ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين
- أخرج الترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو النعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي، عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} قال "برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له: بديل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته، فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ماكان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه، فقلنا: ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره. قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأديت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحلف الله {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} إلى قوله {أن ترد أيمان بعد أيمانهم} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر، فحلفا، فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء".
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال "خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما، فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله: ما كتمتماها ولا اطلعتما، ثم وجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما، وإن الجام لصاحبهم، وأخذ الجام وفيه نزلت {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} ".
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال "كان تميم الداري وعدي بن بداء رجلين نصرانيين يتجران إلى مكة في الجاهلية ويطيلان الإقامة بها، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حول متجرهما إلى المدينة، فخرج بديل بن أبي مارية مولى عمرو بن العاص تاجرا حتى قدم المدينة، فخرجوا جميعا تجارا إلى الشام، حتى إذا كانوا ببعض الطريق اشتكى بديل، فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه وأوصى إليهما، فلما مات، فتحا متاعه، فأخذا منه شيئا ثم حجزاه كما كان، وقدما المدينة على أهله فدفعا متاعه، ففتح أهله متاعه فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به، وفقدوا شيئا فسألوهما عنه، فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا، فقالوا لهما: هذا كتابه بيده! قالوا: ما كتمنا له شيئا، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} إلى قوله {إنا إذا لمن الآثمين} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو، ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا، فمكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموه بذهب، فقال أهله: هذا من متاعه ولكنا اشتريناه منه، ونسينا أن نذكره حين حلفنا، فكرهنا أن نكذب نفوسنا، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية الأخرى {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبا ويستحقانه، ثم أن تميما الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: صدق الله ورسوله، أنا أخذت الإناء، ثم قال: يا رسول الله، إن الله يظهرك على أهل الأرض كلها، فهب لي قريتين من بيت لحم - وهي القرية التي ولد فيها عيسى - فكتب له بها كتابا، فلما قدم عمر الشام أتاه تميم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أنا حاضر ذلك فدفعها إليه".
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {شهادة بينكم} مضاف برفع شهادة بغير نون وبخفض بينكم.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي عن أبي طلحة عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} هذا لمن مات وعنده المسلمون، أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين، ثم قال {أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض} فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، أمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد الصلاة: ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلا، فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة، فذلك قوله تعالى {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا، قام الأوليان فحلفا أنهما كذبا، ذلك أدنى أن يأتي الكافران بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم، فتترك شهادة الكافرين، ويحكم بشهادة الأوليان، فليس على شهود المسلمين أقسام، إنما الأقسام إذا كانا كافرين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {اثنان ذوا عدل منكم} قال: من أهل الإسلام {أو آخران من غيركم} قال: من غير أهل الأسلام، وفي قوله {فيقسمان بالله} يقول: يحلفان بالله بعد الصلاة. وفي قوله {فآخران يقومان مقامهما} قال: من أولياء الميت فيحلفان {بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} يقول: فيحلفان بالله ما كان صاحبنا ليوصي بهذا وانهما لكاذبان. وفي قوله {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} يعني أولياء الميت فيستحقون ماله بأيمانهم، ثم يوضع ميراثه كما أمر الله، وتبطل شهادة الكافرين. وهي منسوخة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية {اثنان ذوا عدل منكم} قال: ما من الكتاب إلا قد جاء على شيء جاء على إدلاله غير هذه الآية، ولئن أنا لم أخبركم بها لأنا أجهل من الذي ترك الغسل يوم الجمعة، هذا رجل خرج مسافرا ومعه مال، فأدركه قدره، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته، وأشهد عليهما عدلين من المسلمين، فإن لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب، فإن أدى فسبيل ما أدى، وإن هو جحد استحلف بالله الذي لا إله إلا هو دبر صلاة: أن هذا الذي وقع إلي وما غيبت شيئا، فإذا حلف برئ، فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه، ثم ادعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه، فذلك الذي يقول الله {ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} قال: أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران، لا يحضره غير اثنين منهم، فإن رضي ورثته بما غابا عنه من تركته فذلك، ويحلف الشاهدان أنهما صادقان، فإن عثر قال: وجد لطخ أو لبس أو تشبيه حلف الإثنان الأولان من الورثة، فاستحقا وأبطلا أيمان الشاهدين.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله {أو آخران من غيركم} قال: من غير المسلمين من أهل الكتاب.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله {اثنان ذوا عدل منكم} قال: من أهل دينكم {أو آخران من غيركم} قال: من أهل الكتاب إذا كان ببلاد لا يجد غيرهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهودي ولا النصراني إلا في وصية، ولا تجوز في وصية إلا في سفر.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن الشعبي. أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة فأتيا أبا موسى الأشعري، فأخبراه وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا، وأنها وصية الرجل وتركته، فأمضى شهادتهما.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في قوله {شهادة بينكم} الآية. كلها قال: كان ذلك في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أول الإسلام، والأرض حرب، والناس كفار، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة، وكان الناس يتوارثون بينهم بالوصية، ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها.
وأخرج ابن جرير عن الزبير قال: مضت السنة أن لا يجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هذه الآية منسوخة.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن عكرمة {أو آخران من غيركم} قال: من المسلمين من غير حيه.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والنحاس وأبو الشيخ والبيهقي في سننه {اثنان ذوا عدل منكم} قال: من قبيلتكم {أو آخران من غيركم} قال: من غير قبيلتكم، ألا ترى أنه يقول {تحبسونهما من بعد الصلاة} كلهم من المسلمين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عقيل قال: سألت ابن شهاب عن هذه الآية قلت: أرأيت الاثنين اللذين ذكر الله من غير أهل المرء الموصي، أهما من المسلمين أو هما من أهل الكتاب؟ ورأيت الآخرين اللذين يقومان مقامهما، أتراهما من أهل المرء الموصي أم هما في غير المسلمين؟ قال ابن شهاب: لم نسمع في هذه اللآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أْئمة العامة سنة أذكرها، وقد كنا نتذكرها أناسا من علمائنا أحيانا فلا يذكرون فيها سنة معلومة ولاقضاء من إمام عادل، ولكنه مختلف فيها رأيهم، وكان أعجبهم فيها رأيا إلينا الذين كانوا يقولون: هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين، يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه ويغيب عنه بعضهم، ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى، فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضروا من وصية، فإن سلموا جازت وصيته، وإن ارتابوا أن يكونوا بدلوا قول الميت وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء، حلف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة، وهي أن المسلمين {يقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين} فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما ما لم يعثر على أنهما استحقا إثما في شيء من ذلك، قام آخران مقامهما من أهل الميراث من الخصم الذين ينكرون ما يشهد عليه الأولان المستحلفان أول مرة، فيقسمان بالله لشهادتنا على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبيدة في قوله {تحبسونهما من بعد الصلاة} قال: صلاة العصر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {لا نشتري به ثمنا} قال: لا نأخذ به رشوة {ولا نكتم شهادة الله} وإن كان صاحبها بعيدا.
وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أنه كان يقرأ (ولا نكتم شهادة) يعني بقطع الكلام منونا (الله) بقطع الألف وخفض اسم الله على القسم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرؤها (ولا نكتم شهادة الله) يقول هو القسم.
وأخرج عن عاصم (ولا نكتم شهادة الله) مضاف بنصب شهادة، ولا ينون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلاف ما قالا، أجيز شهادة الآخرين وبطلت شهادة الأولين.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو عبيدة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ (من الذين استحق عليهم الأوليان) بفتح التاء.
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {من الذين استحق عليهم الأوليان}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن عدي عن أبي مجلز أن أبي بن كعب قرأ {من الذين استحق عليهم الأوليان} قال عمر: كذبت. قال: أنت أكذب. فقال الرجل: تكذب أمير المؤمنين! قال: أنا أشد تعظيما لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذبته في تصديق كتاب الله ولم أصدق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله. فقال عمر: صدق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى ابن يعمر أنه قرأها (الأوليان) وقال: هما الوليان.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يقرأ (من الذين استحق عليهم الأولين) ويقول: أرأيت لو كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما؟
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنه كان يقرأ الأولين مشددة على الجماع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم (من الذين استحق) برفع التاء وكسر الحاء (عليهم الأولين) مشددة على الجماع.
وأخرج ابن جرير عن ابن يزيد في قوله {الأوليان} قال: الميت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} يقول: ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} يقول: وأن يخافوا العنت.
وأخرج ابن جرير عن ابن يزيد في قوله {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} قال: فتبطل أيمانهم وتؤخذ أيمان هؤلاء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله {واتقوا الله واسمعوا} قال: يعني القضاء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {والله لا يهدي القوم الفاسقين} قال: الكاذبين الذين يحلفون على الكذب. والله تعالى أعلم.
- قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب
- أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} فيفزعون فيقول: ماذا أجبتم فيقولون: لا علم لنا، فيرد إليهم أفئدتهم فيعلمون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: ذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول، فلما سئلوا قالوا: لا علم لنا، ثم نزلوا منزلا آخر فشهدوا على قومهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} فيقولون للرب تبارك وتعالى: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: فرقا تذهل عقولهم، ثم يرد الله عقولهم إليهم، فيكونون هم الذين يسألون يقول الله {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} (الأعراف الآية 6).
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله {فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: من هول ذلك اليوم.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: يأتي على الخلق ساعة يذهل فيها عقل كل ذي عقل، {يوم يجمع الله الرسل}.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عطاء بن أبي رباح قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس فقال: والذي نفسي بيده لتفسرن لي آيا من كتاب الله عز وجل أو لأكفرن به.
فقال ابن عباس: ويحك..! أنا لها اليوم، أي آي؟
قال: أخبرني عن قوله عز وجل {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} وقال في آية أخرى {ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا ان الحق لله} (القصص الآية 75) فكيف علموا وقد قالوا لا علم لنا؟ وأخبرني عن قول الله {ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} (الزمر الآية 31) وقال في آية أخرى {لا تختصموا لدي} (ق الآية 38) فكيف يختصمون وقد قال: لا تختصموا لدي؟ وأخبرني عن قول الله {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم} (يس الآية 65) فكيف شهدوا وقد ختم على الأفواه؟
فقال ابن عباس: ثكلتك أمك يا ابن الأزرق، إن للقيامة أحوالا وأهوالا وفظائع وزلازل، فإذا تشققت السموات، وتناثرت النجوم، وذهب ضوء الشمس والقمر، وذهلت الأمهات عن الأولاد، وقذفت الحوامل ما في البطون، وسجرت البحار، ودكدكت الجبال، ولم يلتفت والد إلى ولد، ولا ولد إلى والد، وجيء بالجنة تلوح فيها قباب الدر والياقوت حتى تنصب على يمين العرش، ثم جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام من حديد ممسك بكل زمام سبعون ألف ملك، لها عينان زرقاوان، تجر الشفة السفلى أربعين عاما، تخطر كما يخطر الفحل، لو تركت لأتت على كل مؤمن وكافر، ثم يؤتى بها حتى تنصب عن يسار العرش، فتستأذن ربها في السجود فيأذن لها، فتحمده بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها تقول: لك الحمد إلهي إذ جعلتني أنتقم من أعدائك ولم تجعل لي شيئا مما خلقت تنتقم به مني إلى أهلي، فلهي أعرف بأهلها من الطير بالحب على وجه الأرض.
حتى إذا كانت من الموقف على مسيرة مائة عام، وهو قول الله تعالى {إذا رأتهم من مكان بعيد} (الفرقان الآية 12) زفرت زفرة فلا يبقي ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا صديق منتخب، ولا شهيد مما هنالك الآخر جاثيا على ركبتيه، ثم تزفر الثانية زفرة فلا يبقى قطرة من الدموع إلا بدرت، فلو كان لكل آدمي يومئذ عمل اثنين وسبعين نبيا لظن أنه سيواقعها، ثم تزفر الثالثة زفرة فتنقطع القلوب من أماكنها، فتصير بين اللهوات والحناجر، ويعلو سواد العيون بياضها، ينادي كل آدمي يومئذ: يا رب نفسي نفسي، لا أسألك غيرها، ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: يا رب أمتي أمتي، لا همة له غيركم، فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم {ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} طاشت الأحلام وذهلت العقول، فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها {نزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله} (القصص الآية 75) وأما قوله تعالى {ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} (الزمر الآية 31) فيؤخذ للمظلوم من الظالم، وللمملوك من المالك، وللضعيف من الشديد، وللجماء من القرناء حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه، فإذا أدى إلى كل ذي حق حقه أمر بأهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، اختصموا فقالوا: ربنا هؤلاء أضلونا {ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار} (ص الآية 16) فيقول الله تعالى {لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد} (ق الآية 38) إنما الخصومة بالموقف، وقد قضيت بينكم بالموقف، فلا تختصموا لدي. وأما قوله {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم} (يس الآية 65) فهذا يوم القيامة، حيث يرى الكفار ما يعطي الله أهل التوحيد من الفضائل والخير. يقولون: تعالوا حتى نحلف بالله ما كنا مشركين، فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن: وتشهد الأرجل تصديقا للأيدي، ثم يأذن الله للأفواه فتنطق {فقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} (فصلت الآية 21).
- قوله تعالى: إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرأ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين
- أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة دعى بالأنبياء وأممها، ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقربها، يقول {يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك...} الآية. ثم يقول {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} (المائدة الآية 116) فينكر أن يكون قال ذلك، فيؤتي بالنصارى فيسألون؟ فيقولون: نعم، هوأمرنا بذلك. فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده، فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام، حتى يوقع عليهم الحجة، ويرفع لهم الصليب، وينطلق بهم إلى النار.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن عياش عن ابن وهب عن أبيه قال: قدم رجل من أهل الكتاب اليمن فقال أبي: ائته واسمع منه. فقلت: تحيلني على رجل نصراني؟ قال: نعم. ائته واسمع منه. فأتيته فقال: لما رفع الله عيسى عليه السلام أقامه بين يدي جبريل وميكائيل فقال له {اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} فعلت بك وفعلت بك، ثم أخرجتك من بطن أمك، ففعلت بك وفعلت بك، ستكون أمة بعدك ينتجلونك وينتجلون ربوبيتك، ويشهدون أنك قدمت وكيف يكون رب يموت؟ فبعزتي حلفت لأناصبنهم الحساب يوم القيامة، ولأقيمنهم مقام الخصم من الخصم حتى ينفذوا ما قالوا ولن ينفذوه أبدا، ثم أسلم وجاء من الأحاديث بشيء لم أسمع مثلها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات} أي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير. ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وإبراء الأسقام، والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم، وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه، ثم ذكر كفرهم بذلك كله.
- قوله تعالى: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون
- أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {وإذ أوحيت إلى الحواريين} يقول: قذفت في قلوبهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وإذ أوحيت إلى الحواريين} قال: وحي قذف في قلوبهم ليس بوحي نبوة، والوحي وحيان: وحي تجيء به الملائكة، ووحي يقذف في قلب العبد.